الذكاء الاصطناعي يفتح أسرار النقوش اللاتينية ويعيد كتابة التاريخ

أطلقت شركة ديب مايند التابعة لجوجل نظام ذكاء اصطناعي جديد باسم Aeneas لتسريع عملية تفسير النقوش اللاتينية القديمة، يعمل هذا الابتكار على تحليل آلاف النقوش في ثوان معدودة مقارنة بالأشهر التي قد يستغرقها الباحثون يدويًا، ما يميز هذا النظام أنه لا يكتفي بالتعرف على النصوص، بل يعيد ترميم الأجزاء المفقودة ويحدد مصدرها الجغرافي بدقة عالية، مما يمثل نقلة نوعية في دراسة التراث الكلاسيكي وتحليل الحضارات القديمة.
النقوش اللاتينية تعتبر مصدرًا أساسيًا لفهم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الحضارة الرومانية، لكن أغلبها يعاني من التلف أو التجزؤ مما يجعل عملية دراستها شاقة للغاية، هنا يأتي دور نظام Aeneas الذي يعتمد على شبكة عصبية توليدية متعددة الوسائط، حيث يجمع بين تحليل النصوص ودراسة الصور لتكوين صورة شاملة، وهذا ما يمنح المؤرخين أداة قوية لإعادة بناء المشهد التاريخي وإثراء المعرفة الأكاديمية حول العصور القديمة.
تم تدريب نظام Aeneas على قاعدة بيانات ضخمة تضم أكثر من 176 ألف نقش لاتيني، تم جمعها على مدى عقود من مصادر موثوقة متعددة، هذا الكم الهائل من البيانات أتاح للنظام التعرف على أوجه التشابه النصي والسياقي بدقة غير مسبوقة، إضافة إلى ذلك، يستطيع النظام ملء الفجوات في النصوص حتى عندما يكون طولها غير معروف، ما يوفر للمؤرخين فرصة أكبر لفهم محتوى النقوش وتاريخها وتوثيقها بصورة أفضل وأعمق من السابق.
في الاختبارات الميدانية التي شملت 23 خبيرًا في علم النقوش، أظهر النظام فاعلية عالية، حيث ساعد في تحسين ثقة الباحثين بأدائهم بنسبة 44%، كما وفر نقاط انطلاق بحثية مفيدة في 90% من الحالات، وكانت نتائجه في تقدير عمر النقوش دقيقة بفارق متوسط 13 عامًا فقط، والأهم من ذلك أن أداء المؤرخين مع النظام كان أفضل من أدائهم بدونه، مما يثبت أنه أداة تعزيزية وليست بديلًا عن الخبرة البشرية.
يتميز نظام Aeneas بالقدرة على التوسع ليشمل لغات ووسائط أثرية أخرى مثل البرديات والعملات المعدنية، وهذا يفتح الباب أمام استخدامات جديدة في مجالات متعددة من الدراسات التاريخية، كما يمكنه ربط النقوش من مناطق وأزمنة مختلفة، مما يمنح الباحثين منظورًا أوسع وتحليلاً أعمق، وهذا التوسع في الاستخدام يعني أن النظام قد يصبح جزءًا أساسيًا من أدوات البحث الأثري عالميًا.
هذا الابتكار لا يهدف إلى استبدال الباحثين، بل إلى تمكينهم من الوصول إلى نتائج أدق وأسرع، إذ يمكنه رصد الأنماط والروابط التي قد يغفل عنها الإنسان، خاصة في النقوش المتضررة، وبالتالي يساهم في اكتشاف علاقات ومعلومات لم تكن معروفة سابقًا، مما قد يؤدي إلى إعادة كتابة بعض جوانب التاريخ، ويعزز فهمنا للمجتمعات القديمة وثقافاتها وقيمها.
لإتاحة الفائدة للجميع، تم إطلاق نسخة تفاعلية مجانية من النظام عبر الموقع الإلكتروني predictingthepast.com، كما تم نشر الكود البرمجي وقاعدة البيانات كمصدر مفتوح، ليتمكن الباحثون والطلاب والمهتمون من الاستفادة منه وتطويره، هذا الانفتاح على المجتمع العلمي يعزز التعاون ويضمن استمرار التقدم في دراسة التراث الإنساني باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.